Monday, July 2, 2007

قـلــب مـفـتـــــــوح


مستلقياً بانتظار البدء أتاني صوته مطمئناً ، امسك بذراعي و وخزه ، دس في وريدي أنبوب المحلول المعلق إلى جواري . قال إن المخدر سيعمل سريعاً و لن أشعر بشيء . ربت على كتفي و مسح على راسي و انصرف .. اقتربوا مني و أخذت أصواتهم تعلو وتتداخل ، تتبادل وجوههم مواقعها على صفحة عيني . ابتساماتهم وقحة ، أياديهم التي تعمل بدقة و خفة و مهارة مدربة على اقتحام أجساد الآخرين و اختراقهم .. هم الآن يستعدون لاختراقي .

مستلقياً بانتظار البدء أتنصت لكل ما يدور من حولي ، استشعر الخدر الذي بدأ يسري في عروقي ، و الثقل المنسحب على جفوني .. لكنهم عندما أضاءوا سقف الحجرة إضاءة مبهرة ، تألمت عيناي ، و داهمتني رائحتك ، فاجأتني ، ملأتني .. انتفضت فتزاحموا فوقي و أعملوا آلاتهم في ، أشعر بهم و بما يفعلون ، لكنني فاقد للنطق و صوتي محتبس و مقلتاي متجمدتين .. أراك تخرجين من صدري رويداً رويداً .

" لا تذهبي بعيداً .. لا تذهبي بعيداً " هكذا تقول الأغاني .. لكنني فكرت في المسافة التي أقطعها كل صباح بين سريري و المرآة كي أمشط أحلامي المتعبة من أرق ليل طويل لا ينقضي . أفكر في اللحظات التي سقطت منا و أدوس عليها و أنا في طريقي إلى الحمام . تتساقط نظراتك الخجلى من عيوني ، و قبلاتك الحزينة من على وجهي و أنا أغسله بالماء البارد . اضحك على أبطال حيارى كنا كتبناهم و بعثرنا مصائرهم على أوراقنا ، و قلنا لهم : " كونوا " فكانوا كما لا نريد .

وجوههم المقتحمة و أيديهم التي تمسح وجهي و تمسك بجفوني ـ تحركها كل حين ـ تضايقني كثيراً ، و تمنع عني مشهدك و أنت تخرجين مني كفراشة أعتقتها شرنقة بلون بدر فضي وحيد في سمائي .. رائحتك أثقلت القلب بالوجع ، بينما هم الآن يعملون آلاتهم فيه ، لكنهم لا يسمعون صوته و هو يغني : " اذهبي بعيداً .. بعيداً " لعل نورساً وحيداً بانتظارك على شاطئ ليس هناك ما هو ابعد منه ، يبشرهم بقدومك . حيث أكون نادماً ـ كما ينبغي ـ و طاهراً ، و تكونين ملاكاً يغفر لي ما قدمته يداي .

" بعيداً .. بعيداً " بحثاً عن ذوات ليست لنا ، و أجنحة لطيور لم نلتق بها بعد . تحلق بنا عالياً لنقبل قدمي الإله و نبكي ، لأنه لم يعطنا فرصة أخرى نعيد فيها ترتيب القصائد و قص الحكاية من جديد ..

ننتفض من الرهبة و يخنقنا البكاء و هم يحاولون استرجاعي منك ، لا تسمحي لهم .. خذيني مني إليك .. أخرجيني معك من صدري و من عيني ، من روحي .. أقيميني على حد المسافة بين عطرك و ارتحالك ، لا تنوحي .. فالمدى رحب و أغنيتي عزاء للتفاصيل الصغيرة .. أخرجيني ، و اكتبي للرب صكاً بالرضا عن كل حال .

مستلقياً في البدء كنت .. و كنت أنت ـ كما رأيتك ـ بانتظار الاكتمال
.
محمد اسماعيل الأقطش

4 comments:

Unknown said...

استاذ محمد مش عارف لية مفيش حد علق على القصة اكيد مش متقبلين النتيجة بروح رياضية ولهذا وجدت انى ابدأ اعلق عليها جايز تكون دعوة للتحلى بالروح الرياضية
القصة اكثر من رائعة حسيت للحظات انى دخلت عالم تانى وانى محلق فى السماء بجد انت موهوب

BADR ELEBIDY said...

وأنا كمان هاسيب تعليق
أتمنى فعلا أن أتخلص من الأحاسيس التي تنتابني بعد قراءة حروف محمد الأقطش
صحيح أنها تحمل متعة كبيرة وفن وتشير لموهبة فذة لم تأخذ مكانتها التي تستحقها بعد
إلا أنها أيضا تترك بنفسي ألم كبير جدا
ربما إن أكثر من الإنتاج أفرغ حزنه هذا وتخلص منه للأبد؟؟؟؟؟
لن أتوقف عن الدعاء لك يا أقطش
أسعدك الله ورزقك فرحة دائمة وابتسامة لا تفارقكك إلى نهاية عمرك الطويل بإذن الله

Alaktash said...

أنا متشكر لك يا أحمد على روحك الجميلة
و كمان متشكر لبدر انها قبلت تنشر النص دة على مدونتها
الحقيقة انا ما اعرفش ازاي ارد على أي تعليق عن نصوصي
و بابقى محرج جداً من الناس اللي بتشيد بكتابتي ( بصراحة و الله ) علشان كدة .. انا مرتاح كدة .. من غير تعليقات على النص .. و كفاية ان في حد قراه و لو مرة واحدة
متشكر يا جماعة

Unknown said...

حقيقى جميلة جدا ودة مش اول مرة أقرأ لك حاجة يا محمد وكل اللى قرأته عجبنى جدا جدا
ربنا يوفقك وتفضل تكتب حاجات كتير حلوة نقرأها ونقول الله